الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة توفيق بكاّر: صوت آخر يركب موج النهايات بقلم الأديب فوزي الديماسي

نشر في  25 أفريل 2017  (12:23)

بقلم: الأديب فوزي الديماسي
 
ما عاشرته .. ما جالسته لكنّني عشته
عرفته سنوات التسعينات نصّا لعوبا ، طروبا ، راقصا ، ركبت جمال لغته وعمق نقده وأمواج رسمه بالكلمات في حفره ” للسدّ ” سدّ المسعدي مبنى ومعنى ، فكان كما سيدي محمود المسعدي أناقة حرف ، وصلابة سبك ، بل أقدر وأشدّ ، كما الماء يجري مداده ، هو ”أبو هريرة ” التأويل والتعليل والتحليل ، إنّه كبيرنا ، بل هو من علّمنا السّحر سحر الكلمة في بناء عالم من الجمال والسؤال ، كان ”موسى الكلام ” يوم الزينة ، بل كما المعول كان ، كأفعى قدّت من طين ونار، تهدم طمأنينتك المعرفية ، ووثوقيتك الجمالية ، وتلقي بك في لجج الحيرة ، حيرة الكائن والكيان . كلماته في غوايتها ”كريحانة ” الحياة ، تلك التي طوّفت بأبي هريرة في دنيا الحسّ ومجالس ” الزقّ والقينة ” ، فركب جنون المجون ، ودندن في كل درب ” آه يا للنّي ” ، وكنّا في حلقات حرفه سكارى ، تميد بنا المعاني ، فنطلب الصبح ولا ندركه ، وفي سريرتنا ندعو عليه ( الصبح ) لا له ، صبح قد يفسد سنة السكٍّر في مفاصل رحلتنا النصيّة مع كبير السّحرة توفيق بكّار . يضيء قوله ليل اللذّة فينا ، ويبعث في خمر الرحلة صهيل البيداء ، وبياض اللغة / البدء ، هو ” عبد العزيز العروي ” النّقد ، و“شهرزاد ” الحكاية ، من طينة الكبار هو ، ومن الذهب الخالص حرفه ، يداعب الكلم كمداعبة أبي هريرة لرمل الصباح ، شربنا معه الهزيمة والتيه والضياع قولا صقيلا ، وكانت في نصّ له ”كوكاكولا“ صنع الله إبراهيم حمّالة الحطب ، وكنّا من ورائه نردّد مع كلّ نصّ جديد قول فارس الخمر :
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ....وداوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ
صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها... لوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ
مِنْ كف ذات حِرٍ في زيّ ذي ذكرٍ... لَها مُحِبّانِ لُوطيٌّ وَزَنّاءُ
ركبنا معه قوافل التّصعيد في جبل الحبر ، وعرفنا به ، ومن خلاله مواسم عديدة ”كموسم الهجرة إلى الشمال ”، ونار الغربة في ديار الأهل على ” الترعة“ وفي ” الغيط ” في ” صخب البحيرة ” ، وفي كل شبر من شرق الهمّ والتقهقر في ” شرق المتوسّط ” ، عرفنا السجون ومحنها ، والعذابات ومدنها ، كان يصبّ لغته / الملح على جرحنا الحضاري بقول صقيل زلال ،وكان الألم وكذا الجمال (لعبة الوجه والقفا ) ، لعبة أتقنها بكّار ، كما الخزّاف يجلس إلى دولابه يغازل طين اللغة بين أنامله ، يبثّها روحه ، معلّم الأجيال هو ، مجنون في مدائن القرطاس والقلم ، ينثر آهاته الفكرية و“ هبلاته ” البهيّة ، يعمل مجهر غنائه في نصوص علامات ، لم يكن ناقدا جافّا ، بل كان مطربا يتقن الغناء على الغناء ، يراقص كبار النصوص والفصوص ، حاله في الكتابة كحال آدم وحواء على جبل اللذّة يستقبلان الشمس بالدفوف والأجساد العارية إلا من أناقة العناق قبل الفراق ذاك هو بعض من توفيق بكّار.